الثلاثاء، 29 مارس 2016

جنين .. أنشودة الرعاة

      ع جنين الخضرا .. كانت وجهتنا .. من العاصمة القدس .. ابتدت رحلتنا ... نسيت حالي وتذكرت بلادي ... ويخرب بيت اليهود يا ناس بلادي شو حلوة .!!
    واذا ما جئت للحديث عن الارض يطول الشرح ويطول الوصف .. فكيف لثمانية وعشرين حرفاَ ان تختزل كل هذا العشق وكل هذا الجمال وكل هذا التاريخ في بضع سطور وكلمات ... كيف ستصف مفردات اللغة اتساع حدقة العين عند رؤية سهول الجنين الممتدة امتداد البصر كسجادة عجمية ... او ذلك الشعور الغامر عند رؤيتك ومعاينتك لأماكن تاريخية موجودة على هذه الارض .. هذه الارض التي تكاد تنطق من فرط التاريخ والاصالة الممتدة بكل شبر فيها ..



           جنين .. ثالث اكبر مدن الضفة الغربية مساحة بعد الخليل ونابلس .. تعاقب عليها المصريون والبابليون والاشوريون والعثمانيون والانجليز نهاية بالاحتلال الصهيوني .. أسسها الكنعانيون في حدود عام 2450 قبل الميلاد وبهذا تعتبر واحدة من أقدم مدن العالم التي لا تزال مأهولة بالسكان .. كانت تدعى قديما " عين جانيم" وهي كلمة كنعانية تعني الجنائن وذلك لارتباط المدينة بسهل مرج ابن عامر اكبر سهول فلسطين واكثرها خصوبة.
         تحتوي جنين على اكبر تجمع قرى في الضفة الغربية بواقع 60 قرية تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة .. هذه المعلومات تزودنا بها من مركز زوار جنين .. وجهتنا الاولى في تجوالنا .. وهو مركز مجهز بأحدث التقنيات ويقوم بتعريف الزوار والسياح على تاريخ المدينة من خلال صور وفيديوهات ..وفيما يلي بعض الصور من داخل المركز ..






    

نفق بلعما
        بعد أخذ فكرة عامة عن المدينة توجهنا الى اول معلم تاريخي في تجوالنا وهو نفق بلعما .. حيث يعتبر أطول الانفاق المائية في فلسطين و يقع عند المدخل الجنوبي للمدينة ويعود تاريخه الى 1300 سنة قبل الميلاد ... اكتشف النفق في عام 1996 أثناء أعمال توسعة شارع جنين–نابلس، الأمر الذي استدعى إجراء تنقيبات عاجلة عند مدخل النفق لإنقاذه ... كان يعتبر ممراَ مائياَ لسكان خربة بلعما يستخدمونه للحصول على الماء في اوقات الحروب وعدم الاستقرار من خلال نبع موجود داخل النفق الذي يبلغ طوله حوالي 115 متراَ .. كما استخدم النفق أيضا كمرابط  للخيل في الحروب الصليبية .. أعمال الحفر والاستكشاف داخل النفق متوقفة حالياَ ..








مقبرة الشهداء العراقيين
         بعد نفق بلعما .. توجهت بنا الحافلة الى قرية برقين .. ولكن في الطريق الى هناك استوقفنا صرح قرب بلدة قباطية أثار فينا جميعاا مشاعر متضاربة بين التقدير والحب والحسرة .. انها مقبرة لشهداء عراقيين ارتقو عام 1948 دفاعاَ عن جنين رغم الاوامر العسكرية التي امرت تلك الكتيبة بالانسحاب الا ان تلك الكتيبة قاتلت بضراوة وتمكنت من تحرير محافظة جنين وحدها وارتقى منها ما يقارب 50 شهيدا بين جنود وضباط .. دفنوا جميعا في هذه المقبرة مع أسمائهم ورتبهم العسكرية والمدن التي قدموا منها بالاضافة لبضع جنود مجهولي الهوية .. أخفضت رأسي لقراءة الفاتحة لهم وخانني دمعي من فخري بهم .. رغم كل التهديدات التي وجهت لهم بالانسحاب الا انهم قاتلوا حتى الرمق الاخير .. كتيبة واحدة فقط صمدت وحررت محافظة جنين .. يا الله كم نحن بحاجة اليوم لمثل هؤلاء الابطال .. :( :(








قصر الخوخة " ال جرار"
         محملين بالالم والامل .. غادرنا مقبرة الشهداء العراقيين نحو قرية برقين .. ترجلنا من الحافلة وسرنا في أزقة البلدة نحو قصر الخوخة او قصر ال جرار .. سمي القصر بقصر الخوخة نسبة الى طرازه المعماري القديم المميز الذي يتصف بناحية جمالية من حيث فن البناء القائم على نظام العقود المتقاطعة  وهو طراز معماري قديم جدا .. المبنى يعود تاريخه الى اواخر القرن التاسع عشر .. يطلق على القصر ايضا اسم قصر ال جرار نسبة الى ورثته الشرعيين من هذه العائلة العريقة المعروفة في جنين والتي يقارب عدد افرادها حوالي 3500 نسمة .. القصر كان أشبه بخرابة وعرضة للانهيار والاندثار الا ان ادراجه من قبل وزراة السياحة والاثار ضمن المباني الاثرية التي يجب ترميمها والحفاظ عليها حال دون ذلك .. وقد جرى ترميمه من قبل مؤسسة ال US AID وقد بلغت كلفة ترميمه ما يقارب 1.600.000 شيكل .. حيث اصبح وجهة للسياح والزوار القادمين الى القرية ..











كنيسة برقين

          غادرنا قصر ال جرار وتوجهنا سيرا على الاقدام الى كنيسة برقين .. رابع اقدم كنيسة في العالم بعد كنائس القيامة والمهد والبشارة (وهذه الكنائس كلها موجودة في فلسطين ) وهو أمر لم اكن اعلمه من قبل ابدا ومرة أخرى فاجئتني هذه البلاد بغناها بالمواقع التاريخية والاثرية الاقدم في العالم .. سأولي هذا المعلم مساحة زائدة من الشرح والوصف لعلمي بجهل الكثيرين بوجود هكذا معلم في جنين خاصة وفي فلسطين عامة..
     يطلق على هذه الكنيسة مسميات اخرى مثل كنيسة القديس جاورجيوس او كنيسة شفاء العشرة البرص .. وهي كنيسة تابعة لبطريركية الروم الارثوذكس .. وتحتضن هذه الكنيسة المغارة التي شهدت معجزة السيد المسيح عيسى بن مريم التي تتمثل في شفاء العشرة البرص ...وهو في طريقه من الناصرة الى بيت لحم حيث كانت هذه الكنيسة من المحطات المهمة في مسار المسيح الذي مر عبر قرية برقين وقرر الاستراحة فيها مع تلاميذه الذين رافقوه في سفره انذاك .. عندما سمع سكان القرية بوجوده استغاثوه لشفاء عشرة مرضى اصيبوا بداء البرص .. حيث تم احتجازهم في داخل مغارة مظلمة خشية انتقال العدى الى الاخرين ..وكان السكان يزودونهم بالطعام والماء من خلال فتحة صغيرة في أعلى المغارة .. حتى قدم المسح ومسح على وجوههم لتتحقق بذلك احدى معجزاته ويعودوا الى حياتهم الطبيعية .. هؤلاء العشرة كانوا تسعة يهود وسامري واحد .. التسعة اليهود بعد شفائهم لم يشكروا المسيح وغادروا البلدة اما السامري فقد شكر المسيح وبقي في البلدة كما جاء في انجيل لوقا ...
          وتتميز الكنيسة بكرسي البطرق المبني من الحجارة وهو يعود الى الفترة االبيزنطية وعمره قرابة 900 عام ولا يوجد منه في العالم الا اثنين فقط .. حيث يوجد الاخر في كنيسة يوحنا المعمدان في سوريا .. كما يوجد داخل الكنيسة ايضا جرن التعميد .. 
        وتقول الروايات ان الملكة هيلانة بنت الكنيسة الكبيرة في القرن الرابع الميلادي فوق البئر او المغارة التي كان الرجال البرص معزولين فيها ثم هدمت الكنيسة عام 614 ميلادي على ايدي الفرس ثم هدمت عام 1100 ميلادي خلال زلزال كبير..
          وقد بنيت على مرحلتين .. الاولى هي الكنيسة الصغيرة فوق بئر العشرة البرص والثانية هي الكنيسة الاكبر التي شيدتها الملكة هيلانة ..ويوجد بكل واحدة منهما حائط القنسطاس (قدس الاقداس) مما يضفي جمالا عليها ..وهو مكان يفصل بين المصلين والاب ( الكاهن) الذي يؤمهم ويقدم لهم الخبز والنبيذ في كل قداس ..


حائط القنسطاس (قدس الاقداس )

 الكنيسة من الخارج




اثار عثر عليها داخل الكنيسة عند الترميم 




الفتحة التي كان الاهالي يزودون منها العشرة البرص بالماء والطعام

جرن التعميد


كرسي البطرق الحجري 


قصور ال عبد الهادي 
          الوجهة الاخيرة من هذا التجوال كانت عرابة التي تحوي قصور ال عبد الهادي  .. تقع قصور ال عبد الهادي ( او تسمى ايضا منطقة السيباط ) في المنطقة الشرقية من بلدة عرابة ( 13 كم جنوب غرب جنين ) وهي مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الفلسطيني .. اذ تمكنت بعض العائلات الفلسطينية خلال فترة الحكم العثماني من السيطرة على المنطقة وانشاء اماكن نفوذ خاصة بها .. وكانت عائلة عبد الهادي من الاسر التي حكمتها .. يحتوي هذا الموقع على 13 قصر تعود ملكيتها الى العائلة .. وتشكل نموذجا رائعا للطراز المعماري العثماني الذي كان سائدا تلك الفترة  ويوحي للزائر بالقوة والمكانة التي كانت تتمتع بها هذه العائلة بالاضافة الى الحياة المرفهة لافرادها .. وهذه القصور اليوم هي من اهم المواقع الاثرية التي تشكل وجهة للسياح والزوار حيث تنوي بلدية جنين عمل حمام تركي داخل أحد القصور وبيت ضيافة في قصر اخر لتنشيط الحركة السياحية اكثر والحفاظ على هذه القصور من الاندثار والنسيان ..










            وانطوى بنا هذا اليوم وسكن الليل ونحن نغادر ازقة عرابة .. الكثير من الافكار والمشاعر المتزاحمة .. بالسابق كنت اقول ماذا هناك في جنين كي نراه واليوم اقول ماذا هناك في جنين لم نراه بعد .. هذه المدينة التي تزخر بالمواقع الاثرية والتاريخية التي تسطر التاريخ بكل صوره ..
فعلا على هذه الارض ما يستحق الحياة ...ولان الحديث عن التاريخ والوطن يطول ولا تسعه بضعة اسطر ..فيما يلي أرفق لكم روابط الكترونية تحوي مزيدا من التفاصيل والصور عن هذه المواقع 
1)  http://www.maan-ctr.org/magazine/article.php?id=796ddy497373y796dd
2)  http://www.alhaya.ps/arch_page.php?nid=257954
3) http://palestine.assafir.com/Article.aspx?ArticleID=2611
4)  http://www.alhaya.ps/arch_page.php?nid=252013
5)  https://ar-ar.facebook.com/arrabajenin/posts/1069960759687864

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق